يقول القرآن في سورة النساء الأية 157 ( وقولهم أنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم وماقتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ).
روايات علماء الأسلام في موضوع أحلال الشبه المذكورة في القرآن ؟
فممّالا شكّ فيه أنّ الإسلام ورث هذا النفور من الصليب من أولئك المبدعين، الذين كانوا منتشرين في الجزيرة العربيّة التي هي مهد الإسلام. والمؤسف في الأمر، أن يختلف فقهاء الإسلام في موضوع إحلال الشبه محلّ المسيح،
وتنطلق عدّة روايات متباينة منها :
– أنّ اليهود لمّا صمّموا على قتل عيسى رفعه الله إلى السماء، فخاف رؤساؤهم من انتفاض الشعب عليهم فأخذوا إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبَّسوا على الناس أنّه عيسى.
– أنّ الله ألقى شبه عيسى على إنسان آخر فمات هذا بديلاً عنه.
ولهذه الرواية عدّة وجوه :
1 – دخل تيطاوس اليهوديّ بيتاً، كان المسيح فيه بقصد اعتقاله، فلم يجده. وألقى الله شبه عيسى عليه، فلمّا خرج ظنّوه أنّه عيسى فأخذوه وصلبوه.
2 – أنّ اليهود حين اعتقلوا عيسى، أقاموا عليه حارساً. ولكنّ عيسى رُفِعَ إلى السماء بأعجوبة، وألقى الله شبهه على الحارس فأُخِذَ وصُلِبَ وهو يصرخ أنا لست بعيسى.
3 – وُعِدَ أحد أصحاب عيسى بالجنّة فتطوّع بالموت عنه، فألقى الله شبه عيسى عليه فأُخرِجَ وصُلِبَ. أمّا عيسى فرُفِعَ إلى السماء.
4 – نافق أحد تابعِي عيسى أي يهوذا وجاء مع اليهود ليدلّهم عليه. فلمّا دخل معهم لأخذه ألقى الله عليه شبهه فأُخِذ وقُتِل وصُلِبَ.
روايات أبوجعفر الطبري في كتابه جامع البيان عن الشبه
وقد سرد أبو جعفر الطبري في كتابه جامع البيان عدّة روايات في هذا الصدد.
الأولى أن جميع تلاميذ المسيح حولوا الى صورة المسيح
أنّ بعضهم قال : لمّا أحاطت اليهود بعيسى وبأصحابه أحاطوا به، وهم لا يثبتون في معرفة عيسى عينه. وذلك أنّهم جميعاً حُوِّلوا في صورة عيسى. فأُشكِل الأمر على الذين كانوا يريدون قتلَ عيسى. فخرج إليهم بعض مَن كان في البيت مع عيسى فقتلوه وهم يحسبونه عيسى.
الثانية المسيح يطلب يقدم رجلآ من تلاميذة بدلآ عنه
الثانية مروية عن ابن حمية، عن يعقوب القمّيّ، عن وهب بن منبّه. قال : أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريّينفي بيت وأحاطوا به. فلمّا دخلوا صّورهم الله كلّهم على صورة عيسى. فقالوا لهم سحرتمونا. لتبرزنَ لنا عيسى، أو لنقتلنّكم جميعاً.فقال عيسى لأصحابه : مَن يشتري نفسه منكم اليوم بالجنّة؟ فقال رجل منهم أنا. فخرج إليهم، فقال أنا عيسى فأخذوه، فقتلوه وصلبوه. فمِن ثمّ شُبّه لهم. وظنّوا أنّهم قتلوا عيسى. ورفع الله عيسى من يوم ذلك.
الثالثة قيام أحد أتباع المسيح بأخذ صورته
الثالثة مروية عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن المفصّل، عن أسباط، عن السديّ، قال إنّ بني اسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريّين في بيت. فقال عيسى لأصحابه : مَن يأخذ صورتي، فيُقتَل وله الجنّة؟ فأخذها رجل منه، وصعد بعيسى إلى السماء. فلمّا خرج الحواريّون أبصروهم تسعة عشر، فأخبروهم أنّ عيسى عليه السلام قد صعد بهم إلى السماء فجعلوا يعدّون القوم، فيجدون أنّهم ينقصون رجلاً من العدّة، ويرون صورة عيسى فيهم فشكّوا فيه. وعلى ذلك الرجل. وهم يرون أنّه عيسى فصلبوه.
الرابعة المسيح القى سبهه على أحدهم
الرابعة مروية عن ابن حميد، عن سلمة عن ابن إسحاق. قال : كان اسم ملك بني إسرائيل الذي أُرسِل إلى عيسى ليقتله رجلاً منهم يُقال له داود. فلمّا أجمعوا لذلك، لم يفزع عبد من عباده بالموت فزعه. ولم يجزع جزعه. وإنّه ليقول عمّا يزعمون : اللهمّ أِن كنتَ صارفاً هذه الكأس عن أحد من خلقك، فاصرفها عنّي وحتّى أِن جلده من كرب ذلك، ليتفصّد دماً. فدخل المدخل الذي أجمعوا أن يدخلوا عليه فيه، ليقتلوه، هو وأصحابه، وهم ثلاثة عشر بعيسى. فلمّا أيقن أنّهم داخلون عليه ألقى شبهه على أحدهم فأمسكوه وصلبوه.
الخامسة المسيح يجلس أحد أتباعة في مجلسه
الخامسة مروية عن سلمة، قال حدّثني رجل كان نصرانيّاً فأسلم، أنّ عيسى حين جاءه من الله إنّي رافعك إليّ، قال : يا معشر الحواريّين أيّكم يحب أن يكون رفيقي في الجنّة، على أن يشبّه للقوم في صورتي فيقتلوه مكاني؟ فقال سرجس. أنا يا روح الله. قال فاجلس في مجلسي. فجلس فيه ورفع عيسى، فدخلوا عليه فأخذوه فصلبوه. فكان هو الذي صلبوه وشُبّه لهم جمع البيان 6 :12-14.
روايات تفاسير السنوي وابن كثير وأخوان الصفا
أن المسيح مات حقا وسيحيا في آخر الزمان
وجاء في تفسير السنوي الجزء الأوّل عن مالك : من المحتمل أن يكون المسيح، مات حقيقة، وأنّه سيحيا في آخر الزمان، ويقتل الدجّال.
أن المسيح مات ثلاثة ايام ثم رفعه الله
وجاء في تفسير ابن كثير، عن إدريس قال مات المسيح ثلاثة أيّام ثمّ بعثه الله ورفعه.
أن المسيح صلب ومات وقام وتراءي لخاصيه
وقال إخوان الصفا : إنّ المسيح مات وصُلِبَ وقام وتراءى لخاصّته بعد ذلك إخوان الصفا جزء 4، ص3.
أختلاف علماء المسلمين في اسم الشبه
ولقد اختلفوا المسلمين في اسم الشخص الذي صُلِب. ففريق قال إنّه يهوذا، وفريق قال إنّه تيطاوس، وفريق قال إنّه سرجس، وفريق قال إنّه أحد الحواريّين وكذلك مفسّرو القرآن
تباين التفاسير الغير واقعية في تفسير شبه لهم
تفسير الجلالان
إلاّ قليلاً منهم لم يكونوا أكثر توفيقاً في رواياتهم. فقد قال الجلالان في تفسير مقالة القرآن : ولكن شُبّه له المقتول وهو صاحبهم بعيسى، أي ألقى الله عليه شبه عيسى فظنّوه إيّاه فقتلوه وصلبوه. وأنّ الذين اختلفوا فيهأي عيسى لفي شكّ منه أي مَن قتله. لأنّ بعضهم لمّا رأوا المقتول قالوا، الوجه وجه عيسى أمّا الجسد فليس بجسده، وقال بعض آخر أنّه، هو هو تفسير الجلالين ص 135.
تفسير البضاوي
وقال البيضاوي : روي أن رهطاً من اليهود سبُّوا عيسى وأمّه، فدعى عليهم فمُسخوا قردة وخنازير. فاجتمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنّه يرفعه إلى السماء. فقال لأصحابه : أيّكم يرضى بأَن يُلقى عليه شبهي فيُقتَل ويُصلَب ويدخل الجنّة. فقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه فقُتل وصُلِب.
تفسير الزمخشري
أمّا الزمخشريّ، فقد قال : شُبّه لهم أي خُيِّلَ إليهم، أو توهّموا أو أوهموا أنّهم قتلوه وصلبوه، فهو ميت لا حيّ، بل هو حيّ لأنّ الله رفعه إليه.
ولا مراء في أنّ هذا التباين في الروايات، نجم عن عدم وجود نصّ صريح في القرآن، حول نهاية أيّام جسد المسيح على الأرض. وهذا التباين فتح باب الإشكال والتضارب في الآراء.
أشكالات القاء الشبه على الغير عند العلامة فخر الدين الرازي
ولهذا لم يكن بدّ لعالمٍ نزيه كالإمام العلاّمة فخر الدين الرازي، أن يفنّد قصّة الشبه تفنيداً محكماً. ففي تفسيره العدد 55 من سورة آل عمران يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ عالج مسألة الشبه بكلّ موضوعيّة إذ قال :
من مباحث هذه الآية موضع مشكل، وهو أنّ نصّ القرآن دلّ على أنّه تعالى حين رفعه ألقى شبهه على غيره، على ما قال وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم والأخبار أيضاً واردة بذلك، إلاّ أنّ الروايات اختلفت. فتارة يروي أنّ الله تعالى ألقى شبهه على بعض الأعداء الذين دلّوا اليهود على مكانه حتّى قتلوه وصلبوه، وتارة يروي أنّه رغب بعض خواصّ أصحابه في أن يلقي شبهه حتّى يُقتل مكانه. وبالجملة فكيفما كان،
ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات
الإشكال الأول أنّا لو جوّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر، لزم السفسطة.
فإنّي إذا رأيت ولدي، ثمّ رأيته ثانياً فحينئذٍ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً، ليس بولدي، بل هو إنسان أُلقي شبهه عليه. وحينئذٍ يرتفع الأمان على المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمّداً، يأمرهم وينهاهم، وجب أن لا يعرفوا أنّه محمّد، لاحتمال أنّه ألقى شبهه على غيره. وذلك يفضي إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة، على أن يكون المخبر الأّول، إنّما أخبر عن المحسوس. فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات، كان سقوط خبر التواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب، أوّله سفسطة، وآخره أبطال النبّوات بالكلّيّة.
الإشكال الثاني هو أنّ الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام، بأَن يكون معه في أكثر الأحوال.
هكذا قال المفسّرون في تفسير قوله إذ أيّدتُك بروح القدس ثمّ أنّ طرف جناح واحد من أجنحة جبريل، كان يكفي العالم من البشر. فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهودِ عنه؟ وأيضاً المسيح لمّا كان قادراً على إحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود، الذين قصدوه بالسوء، وعلى إسقامهم، وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتّى يصيروا عاجزين عن التعرّض له؟
الإشكال الثالث اذا كان الله قادر على تخليصه فلماذا يلقى الشبه على غيره
أنّه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء. فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره، إلاّ إلقاء مسكين في القتل، من غير فائدة إليه؟
الإشكال الرابع القاء الشبه على أنسان برئ لا يليق بحكمة الله وعدله
أنّه ألقى شبهه على غيره، ثمّ أنّه رُفِعَ بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنّه عيسى، مع أنّه ما كان عيسى. فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس .
وهذا لا يليق بحكمة الله وعدله ورحمه وأمانته
الإشكال الخامس أن أتهام أتباع المسيح بتزويرهم لحادثة الصلب طعن في التواتر
أنّ النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدّة محبّتهم للمسيح وغلّوهم في أمره. أخبروا أنّهم شاهدوه مقتولاً ومصلوباً. فلو أنكرنا ذلك، كان طعناً في التواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمّد، ونبوّة عيسى، بل في وجودهما، ووجود سائر الأنبياء، وكلّ ذلك باطل.
الإشكال السادس بقاء المصلوب حيآ زمانآ طويلآ
أنّه ثبت بالتواتر أنّ المصلوب بقي حيّاً زماناً طويلاً. فلو لم يكن ذلك عيسى، بل كان غيره، لأظهر الجزع، ولَقال : إنّي لست بعيسى بل إنّما أنا غيره. ولبالغ في تعريف هذا المعنى. ولو ذُكِر ذلك، لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلمّالم يوجد شيء من هذا، علمنا أنّ الأمر ليس على ما ذكرتم.التفسير الكبير 7 :70-71.